الوجه الثاني لوجود السيارة في المجتمعات البشرية والبيئية
من المؤكد أن لا قدرة على الاستغناء عن السيارة لدورها الكبير في اختصار الوقت وسهولة العيش , لكن لذلك أيضاً تأثيرات سلبية بشكل لا يعيره الكثير من الأشخاص أي اهتمام, وهنا نسلط الضوء على بعضها :
ورش السيارات ومحطات الوقود
تشكل ورش السيارات مصدر تلوث وازعاج لسكان الحي، خاصة اذا لم تطبق المواصفات. فصوت القرقعة العالية وغبائر الدهان والحديد منظر مألوف في الأحياء السكنية في كثير من دول العالم النامية. ونرى في الدول العربية ورشاً في الحارات الضيقة، بل أحياناً بجوار محلات الجزارة التي تعلق الذبائح في الهواء الطلق..
ولا ننسَ دور محطات البنزين في زيادة الانبعاثات الهيدروكربونية السرطانية، خاصة في أوقات ملء خزان المحطة أو تعبئة خزانات وقود السيارات. وتزداد هذه الانبعاثات في حال اهمال نواحي السلامة الواجب توفرها في محطات الوقود، علماً أن قوانين البيئة في الامارات تضع قيوداً مشددة على المحطات، خاصة من ناحية الخزانات الأرضية للوقود، تصل الى حد اغلاق أي محطة مخالفة الى حين تصحيح القصور.
علاوة على تلوث الهواء الذي تسببه السيارة، هناك صور أخرى للتلوث. وتصنف نفايات زيوت التشحيم وفضلات مصافي تكرير البترول ومعامل مضافات الزيوت ضمن فئة الفضلات الخطرة السامة، وتكاليف التخلص النهائي منها مرتفعة جداً. والطريقة المعتمدة عالمياً هي الحرق في مرافق خاصة في ظروف درجات حرارة عالية جداً، وهذه المرافق قليلة ان لم تكن معدومة في معظم الدول النامية. وكثيراً ما تلقى الزيوت التالفة في أماكن مهجورة ومنعزلة، ومع الوقت تكوّن مستنقعاً من الزيت أو تتسرب الى باطن الأرض وتلوث المياه الجوفية. وتزداد الخطورة عند وجود مراع للمواشي. وفي حالات أخرى أفضل قليلاً، يتم تخزين الفضلات الزيتية داخل حاويات خاصة في مرادم النفايات الى أجل غير مسمى.
مقابر السيارات والضوضاء وتشويه الطبيعة
تسبب السيارة تلوثاً بيئياً أثناء سنوات عملها, وكذلك بعد انتهاء عمرها!. وقد أصبحت مقابر السيارات ظاهرة مزعجة، نظراً لصعوبة التخلص من كل مكوناتها واعادة تصنيع أجزائها. اذ ان السيارة تتكون من تركيبة معقدة من المواد الخام، بينها الحديد الصلب والألومنيوم والبلاستيك والألياف الزجاجية والمطاط. وتستمر محاولات بعض الشركات العالمية لفصل مكونات السيارة القابلة لاعادة التصنيع كل على حدة.
حين ينقضي العمر الافتراضي لقطعة معينة في السيارة، مثل أقمشة الفرامل والكربوريتور والكومبريسور والعادم وغيرها من الأجزاء التي تطرح بأعداد خيالية في مرادم النفايات ومقابر السيارات، فإنها تزيد العبء على مشاكل النفايات المنزلية والصناعية. وكذلك الحال بالنسبة للإطارات المستهلكة المقدرة أعدادها بالملايين سنوياً، مع وجود بعض المشاريع الطموحة الدول العربية لإعادة تدويرها.
الضوضاء صورة اخرى للتلوث الناجم عن السيارات، من خلال هدير المحركات وأصوات العادم والأبواق العالية واحتكاك الاطارات بالاسفلت وضجيج ورش السيارات. ويتعرض سكان المدن الكبرى للتلوث الضوضائي وآثاره السلبية على الأذن، التي قد تؤدي في النهاية الى صمم جزئي أو كلي حسب الشدة وفترة التعرض. كما ان الضوضاء مضرة بالجهاز العصبي وتساعد في حدوث الأمراض النفسية، مثل القلق والتوتر والأرق، خاصة عند تجاوز حدود 65 ديسيبل المسموح بها حسب المقاييس العالمية.
وأدى استعمال السيارات بكثرة الى زيادة تشييد الطرق والجسور وما يصاحب ذلك من قطع لاشجار الغابات وردم للمواقع البحرية والأنهار ومنابع المياه. يضاف الى ما تقدم الملوثات الغازية والسائلة والصلبة المنبعثة من مصانع السيارات والصناعات المرتبطة بها، مثل مصافي تكرير النفط والزيوت ومصانع البلاستيك والاطارات والألياف الزجاجية وغيرها.
لعلاج هذه المشاكل البيئية والصحية العديدة، يتوجب على الحكومات والعلماء وصانعي السيارات إيجاد حلول بأسرع ما يمكن، مع تشديد المقاييس البيئية واعداد خطط ملائمة لأنظمة النقل. ولذا نجد توجه المصنعين لاعتماد المنهج الأخضر في سياساتها الانتاجية، من تطبيق تقنيات الاقتصاد في استهلاك الوقود الى إنتاج خلايا الوقود والسيارات الكهربائية والهجينة نصف الكهربائية (هايبريد) والهيدروجينية.